كيف بدأ كل شيء: رحلة عبر تاريخ الكون
هذا السؤال هو أحد أقدم تساؤلات البشرية. حاولت العديد من المصادر تقديم إجابات له، بدءًا من الأساطير والخرافات لدى الثقافات المختلفة، مرورًا بتفسيرات الأديان، وصولًا إلى العلم الذي يقدم إجابات مدعومة بالأدلة والقوانين الرياضية. في هذا المقال، سأحاول تبسيط هذه الإجابات واستكشاف كيفية بدء كل شيء.
1. الانفجار العظيم
من الصعب أن تجد شخصًا لم يسمع عن نظرية الانفجار العظيم، التفسير العلمي الأكثر قبولًا لنشأة الكون. تلخص النظرية كالتالي: كان كل شيء في الكون متركزًا في نقطة صغيرة للغاية تُعرف بـ"التفرد". احتوت هذه النقطة على كل الطاقة والمادة الموجودة. فجأة، انفجرت وبدأت في التوسع بسرعة هائلة، ولا يزال الكون يتمدد منذ ذلك الحين. من هذا الحدث نشأ كل ما نعرفه.
2. هاينريش فيلهلم أولبرز والكون الأبدي
على مدار قرون، قدمت الثقافات المختلفة تفسيراتها لنشأة الكون. ومع ذلك، كان مفهوم الكون الأبدي واللانهائي مقبولًا على نطاق واسع حتى القرن السابع عشر، عندما تحدى هاينريش فيلهلم أولبرز هذا المفهوم. تخيل أولبرز كونًا أزليًا مليئًا بالنجوم اللانهائية. إذا كان هذا صحيحًا، فلماذا لا يكون الليل مضاءً دائمًا بنجوم لا حصر لها؟ أثار هذا التناقض تساؤلات حول حدود الكون وكونه غير أبدي.
3. إدوين هابل والكون المتمدد
بعد مفارقة أولبرز، برزت مشكلة تمدد الكون. في هذا الوقت، كان ألبرت أينشتاين قد طور نظريته النسبية العامة ولكنه واجه تحديًا: لماذا لا ينهار الكون تحت تأثير الجاذبية؟ لحل هذه المشكلة، أضاف أينشتاين ثابتًا إلى معادلاته يشير إلى قوة تعاكس الجاذبية وتمنع الانهيار. ورغم أن هذا المفهوم تم استبعاده لاحقًا، إلا أننا نعرف اليوم هذه القوة بـ"الطاقة المظلمة".
لاحقًا، قام ألكسندر فريدمان وجورج لومتر بتطوير معادلات أينشتاين وطرحا فكرة تمدد الكون. ولكن لم تُثبت النظرية إلا بعد أن لاحظ إدوين هابل انزياح الضوء القادم من المجرات البعيدة نحو الأحمر، ما أظهر أن هذه المجرات تبتعد عنا بمعدل ثابت، مما يعني أن الكون نفسه يتمدد.
4. الإشعاع الكوني وأدلة الانفجار العظيم
في ستينيات القرن العشرين، اكتشف العالمان الأمريكيان أرنو بينزياس وروبرت ويلسون ضوضاء كونية غامضة أثناء عملهما على تلسكوب كبير. وبعد استبعاد جميع مصادر التداخل المحتملة، توصلا إلى أن هذه الضوضاء هي الإشعاع الخلفي الكوني الميكروي (CMB)، وهو الحرارة المتبقية من الانفجار العظيم.
أكد هذا الاكتشاف العمل النظري السابق الذي قام به رالف ألفر وروبرت هيرمان، واللذان تنبآ بأن الكون في بداياته كان مكونًا من 75% هيدروجين و25% هيليوم نتيجة الاندماج النووي في درجات حرارة وصلت إلى ملايين الكلفن. ومع توسع الكون وانخفاض درجة الحرارة، توقفت عملية تحويل الهيدروجين إلى هيليوم.
5. الفراغ الساخن وتكوين الذرات
بحلول عام 1960، تنبأ روبرت ديك وجيم بيبلز بأنه إذا كان الكون الأولي ساخنًا كما افترضت النظريات، فإن حرارته المتبقية يجب أن تكون موجودة حتى اليوم ولكن بدرجة منخفضة تبلغ حوالي 3 كلفن. قادت حساباتهم إلى فهم أن الكون قد برد بما يكفي بعد 300,000 عام للسماح بتكوين الذرات المحايدة، مما مكن الضوء من الانتقال بحرية. يمثل هذا الحدث "فصل" الضوء عن المادة، مما جعل الكون شفافًا.
6. تكوين المادة وأساسيات الكون
في الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم، كان الكون شديد الحرارة والكثافة، وكانت الطاقة تتحول بسرعة إلى مادة ومادة مضادة. ظهرت الكواركات، التي اندمجت لتكوين البروتونات والنيوترونات. وفي غضون ثلاث دقائق، برد الكون بما يكفي لتكوين النوى الذرية. وخلال مئات الآلاف من السنين، تمكنت هذه النوى من التقاط الإلكترونات لتكوين أولى الذرات المحايدة: الهيدروجين والهيليوم.
7. ولادة النجوم والعناصر
لم يكن الكون متجانسًا، بل احتوى على اختلافات طفيفة في الكثافة والجاذبية. سمحت هذه الاختلافات للمناطق ذات الكثافة العالية بجذب المادة المحيطة، مما أدى إلى تكوين النجوم الأولى. داخل هذه النجوم، بدأت عمليات الاندماج النووي، مكونة عناصر أثقل مثل الكربون والأكسجين والحديد.
أنهت النجوم الضخمة حياتها بانفجارات مذهلة تُعرف بالمستعرات العظمى (Supernovae)، ناشرة العناصر الثقيلة في الفضاء. اندمجت هذه العناصر لتكوين الكواكب والأجرام السماوية الأخرى، مما أدى في النهاية إلى ظهور المجرات والأنظمة الشمسية، والحياة كما نعرفها.
ختامًا
تجسد هذه الرحلة، من الانفجار العظيم إلى تكوين المجرات والعناصر، تعقيد وجمال الكون. كما تسلط الضوء على قوة الفضول البشري وقدرته على كشف أسرار الوجود.